ماذا يعني ناقصات عقل ودين؟!
حينما نقل لنا الصحابة الكرام أحاديث الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم كانوا يعلمون أنهم ينقلون دينا أراده الله خاتمة الأديان، ولن يقبل الله من أحد يوم القيامة سواه. وهذا ما جعلهم يتحرزون في النقل ويحتاطون في الرواية الأمر الذي جعلهم يعتنون عناية فائقة بمناسبة الحديث وزمانه وما أحاط به من أمور تعين على فهم المقصود الشرعي من النص المروي، فلم يكن أحد الصحابة رضي الله عنهم ينقل نصا مبتورا عن حدثه! لأنه يعلم أهمية ذلك الحدث، وهذا من فضل الله تعالى على هذه الأمة ومن حفظه لدينه إلى يوم القيامه.
بعد هذه التوطئة أتساءل:
من قال إن المرأة ناقصة عقل ودين؟ ومتى؟ ولماذا؟ أهو مدح أم ذم؟ أم خبر وتحذير؟
ولعلكم تتساءلون معي: ما سبب هذا التساؤل؟ وما مناسبته؟
إن الحديث عن المرأة في الإسلام يكتنفه الكثير من سوء الفهم من بعض الجهلة وسوء توظيف لبعض الأحكام والنصوص في غير محلها ومناسبتها! فضلا عما في بعض النفوس من حرج تجاه بعض هذه الآراء والأحكام مرده إلى سابقه!
ولأنني واحدة من بنات حواء المعنيات بهذه الأحكام والمشمولة بهذه الرؤى الشرعية التي أفتخر بها وأعتز بحملها فإنني أرى أنه من واجبنا نحن النساء أن نؤصل فهمنا لما يخصنا من آراء شرعيه! وأن نسعد بشرع ربنا على نور وبصيرة! زيادة في الإيمان، وتحديثا بنعمة رب العباد على بنات جنسنا في الوقت الذي تنعق فيه الكثيرات بالتذمر والاستهجان لنصوص لم يفهمنها ولم يتذوقن حلاوتها!! فأصبحن يلمزنها بما يسمينه ( النظرة الدونية للمرأة) !! إن تلميحا وإن تصريحا.
وبداية سأسوق الحديث كما جاء عن البخاري رحمه الله في كتاب الحيض باب( ترك الحائض الصوم):
حدثنا سعيد بن أبي مريم قال: أخبرنا محمد بن جعفر قال: أخبرني زيد هو بن أسلم عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى _ أو في فطر_ إلى المصلى فمر على النساء فقال: يامعشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار! فقلن: وبم يارسول الله!قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير! ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله!؟
قال: أليست شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها)
ولي مع هذا الحديث الشريف وبيان تكريمه للمرأة وقفات عديده أوجزها بهذه النقاط:
1. مناسبة الحديث تدل على أنه كان في خطبة العيد ويوم الفرح والجوائز! وقد كانت المرأة تشارك المسلمين صلاتهم في العيدين بل جاء الأمر الصريح بإخراج النساء إلى المصلى ليشهدن الصلاة حتى ذوات الأعذار منهن يشهدن الصلاة و والدعاء ويعتزلن المصلى وهذا غاية الإكرام!!
إن حضور المرأة لصلاة العيد ورؤية الناس في صبيحة ذلك اليوم متزينين للصلاة متطيبين لها ومشاركتهم فرحتهم أمر لا يقتصر على الرجال بل يشمل النساء جميعا المصلية منهن والحائض! تلك المرأة التي لم يمنعها ما كتبه الله عليها من الحيض من مشاركة الناس عبادة الذكر والشكر والدعاء( في غير فتنة ولا زينة ظاهره) سوى أنها تعتزل مكان الصلاة ! في حضور يبعث البهجة في قلبها ولا يكدرها أن أصابها الحيض يوم العيد!
فالذي أكرمهن بهذا وأمرهن به لم يأت ليقدم لهن إهانة يوم العيد في عقولهن ودينهن فأين من يتدبرون؟؟
2. في نص الحديث ما يدل على انه صلى الله عليه وسلم خصهن بالموعظة ووقف عليهن في مكانهن وهذا مبالغة في الإكرام والنصح والشفقة من نبي كريم كان أرأف الخلق بهن صلى الله عليه وسلم.
3.
4. دلّ الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم أرشدهن إلى الصدقة وحثهن عليها لأنها تنجي من النار التي رأى أكثر أهلها من النساء!وهذا غاية الشفقة بهن والنصح لهن.مما يتنافى مع ما تدعيه البعض أنه نظرة دونية!!
5.
6. لم يستنكر النبي صلى الله عليه وسلم سؤالهن عن سبب كثرتهن في النار بل أخبرهن بما كان سببا لذلك! فقال:
تكثرن اللعن وتكفرن العشير !ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب الرجل الحازم من إحداكن! وهذا يعني أنه أمر معلل يمكن تفاديه وهذا سبب ذكره.
7. يتضح من السياق أنه لم يأت ذكر النقص في العقل والدين إلا بعد ذكر السبب الذي سألن عنه لكونهن أكثر أهل النار فهو وصف ذكر تبعا لا أصلا.
8. علل النبي الكريم كونهن أكثر أهل النار بعلل ثلاث/
• إكثار اللعن والسب
• كفران العشير
• إذهاب لب الرجل الحازم وتأثيرهن عليه فيما قد يكون إثما.
فرتب العذاب على ما يقع منها باختيارها من هذه الأمور الثلاثه التي ليس منها نقصان العقل والدين لأنه ليس باختيارها
فليس المراد بالنقصان هنا الذم لأن الذم لايتوجه إلا لما كان من فعل العبد
قال بن حجر( وليس المقصود بذكر النقص في النساء لومهن على ذلك لأنه من أصل الخلقة لكن التنبيه على ذلك تحذيرا من الافتتان بهن)
9. النقصان المذكور ليس من النقصان الذي يحصل به الإثم بل هو من النقصان النسبي بالنسبة لما هو أكمل منه فالحائض لا تأثم بترك الصلاة حال الحيض لكنها ناقصة عن المصلين في امتناعها عن الأداء مع ثوابها على الترك لأنه امتثال لما كلفت به.
10. من العلماء من قال إنها تأخذ أجر الصلاة نفسها كما لو كانت ئؤديها قياسا على المريض وخالف بعضهم في هذا لأن المريض كان يفعلها بنية الاستمرار مع أهليته والحائض ليست كذلك لكن بن حجر رحمه الله قال:
( وعندي في كون أن هذا الفرق مستلزما لكونها لا تثاب نظر!!)
11. فسر الني صلى الله عليه وسلم النقصان المذكور في الحديث بما لا يدع مجالا للاجتهاد ولا يقبل تأويل المتأولين وبما يجب الوقوف عنده فلا يفسر بغير ما فسره المعصوم صلى الله عليه وسلم.
12. المتأمل في الحديث يستنتج أن النقصان في المرأة غير ملازم لها في جميع أحوالها فعقلها نقصه بالشهادة فقط ودينها ينقص بترك الصلاة والصيام حال الحيض وأبواب الشهادة في الفقه فصلت ما تقبل فيه شهادتها لوحدها وما لاتقبل فالسبب والله أعلم يعودإلى ما ذكر في الآية( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) وذلك أن المرأة لا تطلع غالبا على أمور البيع والمعاملات وليست من أهل الضرب في الأرض ولا تشهد الجماعات ولا منازعات الرجال فلا تملك من الخبرة في هذا المجال ما يعينها على تذكر أدق التفاصيل فيها والشارع الحكيم قد احتاط للعباد في أموالهم ودمائهم فاحتاجت إلى من يعينها لتثبت بقولها الشهادة المقبوله أما ما تطلع عليه غالبا وخاصة في أمور النساء والولادة والإرضاع فإنها تقبل شهادتها لوحدها.
كما يؤكد علماء النفس والاجتماع أن الذكاء الاجتماعي يعتمد كثيرا على الخبرة والممارسة وقد راعى الإسلام في المرأة فطرتها وعاطفتها فأبعدها عن الاستقلال بشهادة الحدود والمعاملات .
13. إذا تقرر ما سبق نتساءل عن سبب ذكر هذا النقص في موضع كهذا ومناسبة كهذه؟ والجواب أنه مترتب على ما قبله حيث ذكر سبب كثرتهن في النار جوابا على سؤالهن وهو كثرة اللعن وكفران العشير ثم بين أنهن مع كثرة سبهن وجحودهن لحقه كن أقدر الخلق على إذهاب عقله ولو كان عاقلا حازما!! فيضعف عقله التام أمام عقلها الناقص!
قال بن حجر( واللب أخص من العقل وهو الخالص منه والحازم الضابط لأمره وهذا فيه تحذير لهن من أن يكن سببا في إذهاب عقل الرجل الحازم حتى يفعل أو يقول ما لا ينبغي فيشاركنه الإثم ويزدن عليه... ثم قال: ( وهذه مبالغة في وصفهن بذلك لأن الضابط لأمره إذا كان ينقاد لهن فغير الضابط أولى)
14. يتضح أيضا مما سبق أن الغاية من ذكر النقص هنا هو الخبر والتحذير لا الذم والإهانه والتنقص! فنقصها في عقلها لم يمنعها من سلب لب الرجل الحازم فهذا النقص المذكور قد يكون قوة تؤدي للإثم إن استعملت في غير مرضاة الله تعالى.
15. مما ينبغي التنبه له أن هذه العبارة ( ناقصات عقل ودين) لم تكن توصم بها المرأه في عهد الصحابة ولم تتجاوز مناسبتها التي وقعت فيها بل كل ما ثبت في السنة يدل على احترام عقل المرأة ودينها فالنساء شقائق الرجال لأنهم رضي الله عنهم فهموها كما جاءت في سياقها ومناسبتها ولم يستعملوها سلاحا ضد المرأة وضد حرية رأيها فها هو صلى الله عليه وسلم يأخذ بمشورة أم سلمة يوم الحديبية ويقبل رأي الفتاة التي اشتكت أن أباها زوجها من ابن أخيه ويرد أمرها إليها ويجيب امرأة ثابت بن قيس إلى طلبها للخلع في احترام كامل لعقل المرأة وحرية اختيارها.
16. أخيرا:
لا يجوز لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتخذ من شرع الله تعالى سببا لاحتقار مؤمن آخر لأن شرع الله تعالى كله خير للعباد في معاشهم ومعادهم وليس فيه ظلم لأحد بأي وجه من الوجوه.وينبغي على الدعاة وطلبة العلم أن لا يستعملوا هذه العبارة في غير ما فسرت به لئلا تحمل من السوء ما لا تحتمله ولم ترد له أصلا! فهو مفخرة للمرأة بأن راعى الشارع الحكيم طبيعتها ولم يؤاخذها بما ليس من اختيارها فهو لطف وتكريم منه سبحانه..
فاللهم لك الحمد في الأولى والآخرة..